نعرفها ولاتعرفنا
غنت لنا كما لو كانت تعرفنا
فاندفعنا لرثاء إبنها كما لو كنا نعرفها عن قرب.
أشفقنا على قلبها المكلوم، خرجت الكلمات حزينة تشاطرها حزنها.. انطلقت رسائل التعازى بدفء وحميمية وخوف على قلبها المشطور. لم يحركنا واجب تقليدى رتيب ولا خشية من لومة لسان مؤنب سليط ..
لم يحركنا سوى رغبة في مشاركتها ألمها الكبير .. كما شاركنا صوتها الساحر دوما أياما وليالى طويلة، وغنينا معها للقمر وللحب والجرح والغدر والتجاهل والإنتظار والنسيان، للحياة الهادئة، للزهد ، يجئ صوتها دوما مواسيا ناعما شجيا، ويتسلل بخفة للروح يطبطب على الجراح. يخفف الإحساس بالضيق بالخنقة بالحزن، تأخذنا من دوامة حياتنا الرتيبة لنسمو مع صوتها الملائكى. نحلق معها في السماء. تلمس برقيها مواطن الداء وتداويه بعذوبة، فنتحرر من آلامنا ونتماهى مع رقيها فننسى كل الهموم ونجلس هائمين هادئين كما لو كنا نمتثل لدعوتها "زاهدا فيما سيأتى ..ناسيا ماقد مضى".
أحببنا فيروز كما لو كانت تعرفنا
تعرف بيوتنا. مدننا.. همومنا. ومواطن ضعفنا.. قضايانا.. أسباب ضعفنا، تشرذمنا، خلافاتنا .. حروبنا المستعرة بيننا وبين عدونا وتناحرنا البغيض بين بعضنا البعض، وشعوب تدفع وحدها الثمن "ماعدت شفته ضاع شادى" ..
ضاع شادى لبنان ويضيع مثله شادى فلسطينيا كل يوم من وطأة حرب تجويع وإبادة تستهدف كل الأرض تستهدف القدس. مدينة الصلاة التي غنت لها بقوة وتحدى وأمل محذرة ومنذرة ومبشرة وموقنة بأن الغضب الساطع آت .. من كل مكان آت وسيهزم وجه القوة . فالبيت لنا والقدس لنا وبأيدينا سنعيد بهاء القدس.
حزنك ياسيدتى كبير. وحزننا أكبر. ليس فقط لفقد الضنى.. ولكن لفقد الوطن، بل لفقد الأوطان التي استشرى فيها النخاسون بيعا وشراء ورهنا. يهدونها للغريب بثمن بخس .. ويهبون ثرواتهم للعدو مجانا.
حزنك ياسيدتى وحزننا أكبر لأن بشارتك لن تتحقق، فصوت الغضب الساطع توارى بعيدا لم تعد لدينا القدرة على سماعه، بل إن شئت الدقة لم تعد لدينا الرغبة في سماعه .. عاجزين ضعفاء لانقوى على سماعه .
في خيباتنا نعيش وكأنها قدر .. لا مفر منه ولا منه فكاك .. نقرع أنفسنا باللوم على صمتنا العاجز الخانع الذليل. ندين بيننا بلا صوت، حكام العرب المتواطئين المتخاذلين لأننا لانمتلك شجاعة المواجهة .. قيودهم الجاثمة فوق الروح متربصة بآى صوت حر. فإستمرأنا الإستسلام طلبا لأمان زائف سيكلفنا من مستقبلنا الكثير ..
عذرا جارة القمر ..أردت أن أرثيك فإذا بى أرثى حالنا العربى. فقدت الإبن وفقدنا الوطن ..
حزننا مثلك كبير .. يضاعفه فقدان الأمل.
سنبقى أسرى له حتى يصدح صوت الغضب جسورا قويا.
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد